بسم الله الرحمن الرحيم
ينسى الكثيرون من الصائمين عند الإفطار الدعاء، والاستغفار، ولا يذكرون إلا الطعام، وكيف يلتهمونه، ويطفئون ألم الجوع والعطش، ويفوتون على أنفسهم فرصة ذهبية لإجابة الدعاء، وتحقيق الرجاء، وللصائم خاصة في شهر رمضان، فرصتان ذهبيتان يجيب الله تعالى فيهما دعاءه، ويحقق له رجاءه، ويعطيه ما يتمنى، وهما عند فطره كل يوم بعد غروب الشمس، وفى آخر يوم من رمضان، فضلاً عن الأوقات الأخرى، التي يشارك فيها غيره طوال اليوم.
فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (إِن لِلصائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ لَدَعْوَةً مَا تُرَد) (ابن ماجه والبيهقي وغيرهما). وقال صلى الله عليه وسلم: (ثَلاثٌ لا تُرَد دَعْوَتُهُمْ: الصائِمُ حِينَ يُفْطِرُ، وَالإِمَامُ الْعَادِلُ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا اللهُ فَوْقَ الْغَمَامِ، وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السمَاءِ، وَيَقُولُ الرب: وَعِزتِي لأَنْصُرَنكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ ) (الترمذي وابن ماجة،وأحمد وغيرهم ). ولذا كان صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا قُرب إلى أحدِكم طعامٌ ؛ وهو صائمٌ ؛ فليقلْ: بسمِ اللهِ والحمدُ للهِ، اللهم لك صُمْتُ، وعلى رزقك أفطرتُ، وعليك توكلتُ، سبحانك وبحمدك، تقبل منى إنك أنت السميعُ العليمُ ) (الدارقطنى فى الأفراد عن أنس)، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنّهُ كَانَ يَقُولُ إذَا أَفْطَرَ: (ذَهَبَ الظّمَأ، وَابْتَلّتْ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الأَجْرُ، إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى) (أبو داود وغيره)، وإذا أفطر عند قوم، دعا لهم فقال: (أَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصائِمُونَ، وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الأَبْرَارُ، وَصَلتْ عَلَيْكُمُ الْمَلاَئِكَةُ ) (أبو داود وابن ماجه وغيرهما)، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: (إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلْيَقُلِ: اللهُم بَارِكْ لَنَا فِيهِ، وَأَطْعِمْنَا خَيْرًا مِنْهُ. وَإِذَا سُقِىَ لَبَنًا فَلْيَقُلِ: اللهُم بَارِكْ لَنَا فِيهِ، وَزِدْنَا مِنْهُ. فَإِنهُ لَيْسَ شَىْءٌ يُجْزِئُ مِنَ الطعَامِ وَالشرَابِ إِلا اللبَنُ) (أبو داود،والترمذي وغيرهما). وكان عبد الله بن عمرو يقول عند فطره: “اللهُم إِني أَسْأَلُكَ بِرَحْمَتِكَ التِي وَسِعَتْ كُل شَيءٍ أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي” (ابن ماجه والبيهقي وغيرهما)، وكان الربيع بن خيثم يقول: “ الحمد لله الذي أعانني فصمت، ورزقني فأفطرت” (ابن أبي شيبة)،
فهذه الفرصة التي لا تعوض عند الصائم كيف يتغافل الصائم عنها، ألسنا في حاجة إلى دعوة لا ترد، ونحن في حالنا هذا؟
فلا تأكل أيها الصائم شيئاً حتى تدعو لنفسك بالخير، وتدعو لأهلك كذلك، واحذر أن تدعو على ولدك، أو تدعو على أحد من المسلمين الصائمين، في هذا الوقت، قال صلى الله عليه وسلم: (ثَلاَثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لاَ شَك فِيهِن: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ) (أبو داود والترمذي وغيرهما) وإن كان لابد من الدعاء على أحدٍ فادع على اليهود، وأتباعهم، ومن ناصرهم، ومن دعا إلى فكرهم، وادع على الظالمين عامة، وعلى الكافرين عامة، وعلى المشركين، والمنافقين، والمرجفين، والمعوقين، والمثبطين، وغيرهم.
وادع لإخوانك المسلمين في كل مكان، أن يوحد الله صفوفهم، وأن يؤلف بين قلوبهم. وأن يكشف كربهم، وأن يفرج غمهم، ويذهب همهم، ويكبت عدوهم، وينصرهم عليهم، في كل يوم عند فطرك، واحرص على ذلك أكثر من حرصك على الطعام والشراب، لأن الدعاء سلاحنا في معركتنا الحالية، فلا تهمله أبداً، واعلم أن الله يحب المُلحين في الدعاء، فألحّ في دعائك، وتأكد من الإجابة، وإياك أن تشك في إمكانية ذلك، وقد قال الله تعالى:”وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَني فَإِني قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الداعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة / 186)، وقال تعالى: “وَقَالَ رَبكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِن الذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنمَ دَاخِرِينَ” (غافر/60).
واستغفر الله تعالى في كل حين، فإن الله غفور رحيم.